مع دُخول ​لبنان​ مرحلة التحضير للإنتخابات النيابيّة، إنطلقت أعمال الماكينات الإنتخابية بالتزامن مع بدء الحروب الإعلاميّة والمَعنويّة، ومنها تسريب مُتعمّد لمعلومات عن العمل بجُهد على إتمام تحالف كامل بين "التيار الوطني الحُرّ" و"تيّار المُستقبل"، وُصولاً حتى إلى حديث البعض عن "تحالف خُماسي" في الإنتخابات المُقبلة سيضمّ إلى "الوطني الحُرّ" و"المُستقبل"، كلاً من "الثنائي الشيعي" و"​الحزب التقدمي الإشتراكي​". فهل هذا الأمر مُمكن أم أن دونه عقبات كثيرة؟.

لا شكّ أنّ تغييرًا كبيرًا حصل على مُستوى العلاقات الثنائيّة بين "الوطني الحُرّ" و"المُستقبل" في الفترة الأخيرة، إلى درجة صارت معها تصاريح الثناء والمديح المُتبادلة طبيعيّة بين الطرفين بعد سنوات من المُماحكات وحتى من التهجّمات. وليس بسرّ أنّ وزير الخارجيّة ​جبران باسيل​ يعمل مع مدير مكتب رئيس الحُكومة، القيادي في "تيّار المُستقبل" ​نادر الحريري​، على إيجاد أرضيّة مُشتركة لخوض الإنتخابات ضمن لوائح مُشتركة. والمصلحة الثُنائيّة لذلك تكمن في أنّ "التيّار الوطني الحُرّ" يرغب في الدخول إلى مناطق لبنانية لم يكن القانون الأكثري يُسعفه على دُخولها بوجه اللوائح المدعومة من "المُستقبل"، وهذا الأخير يرغب بدوره بتأمين حدًا أدنى من النوّاب لصالح كتلته على إمتداد الخريطة الجغرافيّة اللبنانيّة، والأهمّ ​البناء​ على تفاهم سياسي متين مع "الوطني الحُرّ" يضمن له عودة رئيس "تيّار المُستقبل" إلى منصب رئاسة الحُكومة بعد إنتهاء الإنتخابات، بغضّ النظر عن النتائج. لكنّ نيّة كل من "الوطني الحُرّ" و"المُستقبل" بخوض الإنتخابات ضمن لوائح مُشتركة دونها عقبات بالجملة يعمل الطرفان على تذليلها. وأبرزها:

أوًلاً: يرفض "المُستقبل"–أقلّه حتى هذه اللحظة، التواجد مع "​حزب الله​" ضُمن لوائح مُشتركة لاعتبارات داخليّة خاصة بتأثير ذلك على "مُناصريه"، علمًا أنّ "الوطني الحُرّ" مُرتبط مع "الحزب" في تفاهم سياسي إستراتيجي، وهما يعتزمان خوض المعركة معًا كما في ​الدورة​ النيابيّة السابقة في العام 2009. كما يضع "المُستقبل" فيتوات أيضًا على بعض الشخصيّات والقوى الأخرى ومنها "​التنظيم الشعبي الناصري​" في صيدا، والنائب السابق ​عبد الرحيم مراد​ في ​البقاع الغربي​، على سبيل المثال لا الحصر.

ثانيًا: سيكون "المُستقبل" مُضطرًّا للتخلّي عن عدد كبير من حلفائه المناطقيّين-إذا جاز التعبير، ومن الشخصيّات المسيحيّة التي كان بعضها يصل بدعم كبير من مُناصري "التيّار الأزرق" وكان بعضها الآخر يقف إلى جانب "المُستقبل" سياسيًا، وذلك لأنّ اللوائح في أغلبيّة الدوائر الإنتخابيّة لا تتسع لمُرشّحي "التيّار الوطني الحُر" ولمرشّحين مسيحيّين محسوبين على "المُستقبل" في آن واحد، إلا فيما نَدر.

ثالثًا: أي تحالف إنتخابي بين "الوطني الحُرّ" و"المُستقبل" يعني التموضع في موقع سياسي وإنتخابي مُناهض لباقي القوى التي كانت مُنضوية في الماضي ضُمن تحالف قوى "​14 آذار​" السابق، وفي طليعتها حزب "القوّات اللبنانيّة" وحزب "الكتائب اللبنانيّة"، وغيرهما، مع ما يعنيه هذا الأمر من تغيير إستراتيجي في التحالفات وفي التوازنات والمعادلات السياسيّة داخل لبنان. وسيكون على المُستقبل" أيضًا التخلّي مثلاً عن الأحزاب الأرمنيّة التي كانت تؤازره، لأنّ "الوطني الحُرّ" مُرتبط بتحالف وثيق مع حزب "الطاشناق" الذي يُصرّ هذه المرّة على عدم التنازل عن أي مقعد أرمني في أيّ دائرة، مُتسلّحًا بمسألة "الصوت التفضيلي" التي تسمح بتغيير النتائج ضمن المقاعد المذهبيّة المُختلفة في حال أحسن الفريق المعني إستخدام هذه الميزة.

رابعًا: سيُؤدّي أي تحالف إنتخابي "مَصلحيّ" بين "الوطني الحُرّ" و"المُستقبل"، إلى نُفور جزء لا بأس من قاعدة "التيّار الأزرق" الشعبيّة التي تشبّعت "غسل دماغ" ضُدّ "التيّار البرتقالي" على مدى سنوات طويلة، وإلى بحثها عن لوائح أخرى ضُمن الخط السياسيّ الذي نشأت عليه، الأمر الذي من شأنه أن يُقوّي موقف المدير العام السابق ل​قوى الأمن الداخلي​ اللواء المُتقاعد ​أشرف ريفي​ الذي بقي ثابتًا ومُحافظًا على الخط السياسي الذي تأسّست عليه قوى "14 آذار".

خامسًا: إنّ تحالف "الوطني الحُرّ" مع "المُستقبل" إنتخابيًا مع كل التغييرات التي سيُسبّبها هذا الأمر على مُستوى التموضعات السياسيّة الداخليّة، سيضع رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ بمُواجهة مُباشرة مع المملكة العربيّة السُعوديّة، كون المعركة ستكون مُوجّهة مباشرة ضُد "حلفائها" في مُختلف الدوائر الإنتخابيّة، وهو ما سيكون له إرتدادات حتميّة على غير صعيد.

سادسًا: إنّ أصوات مُناصري ومُؤيّدي "التيّار الوطني الحُرّ" كانت صبّت في العام 2009، لصالح العديد من قوى "8 آذار" في الساحتين السنّية والدرزيّة المُعارضتين، والتي تأمل اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بالوُصول إلى الندوة البرلمانيّة بعد إقرار القانون الجديد والذي يعتمد مبدأ "التصويت النسبي" بدلاً من "التصويت الأكثري" الذي كان يحرم الأقليّات الشعبيّة من التمثّل في البرلمان. وبالتالي، لن يكون من السهل التخلّي عن دعم هذه القوى والشخصيّات التي ساندت "الوطني الحُرّ" منذ توقيعه "ورقة التفاهم" مع "حزب الله" في 6 شباط 2006.

في الختام، الأكيد أنّ "التيّار الوطني الحُرّ" يُحاول جاهدًا توسيع دائرة تحالفاته الإنتخابيّة، لتشمل "تيّار المُستقبل"، وهو يُحاول تذليل جزء من العقبات الكثيرة أمام هذا التحالف من خلال التعهّد ألاّ يكون هذا التحالف على كامل مساحة لبنان، بل في بعض الدوائر الإنتخابيّة حيث تُوجد مصلحة مُشتركة للطرفين بذلك، وحيث لا يتسبّب التعاون بين التيّارين "البرتقالي" و"الأزرق" بأي إحراج لهذا الأخير أمام مُناصريه، وبأي حزازيّة بين "الوطني الحُرّ" مع حلفائه من قوى "8 آذار". فهل سيُوافق رئيس "تيّار المُستقبل" على هذا التحالف الإنتخابي، مع كل ما يعنيه من تغيير للتموضعات السياسيّة الحاليّة وللمُعادلات والتوازنات القائمة بنتيجتها؟ والأهمّ هل ستُجاريه قاعدة "التيّار الأزرق" الشعبيّة بهذا التحوّل المُفاجئ، أم أنّها ستُخيّب ظنّه وتبقى على المبادئ التي نشأ عليها "تيّار المُستقبل"؟.